انشر تؤجر !
مما لاشك فيه أن تقرير الأجر في أي عمل لا بد فيه من تحقق شروط كون العمل مأموراً به شرعاً ويؤدي إلى تحقيق أمر شرعي فالإخلاص والمتابعة شرطان لقبول العمل . ولذا يسعى كثير من المخلصين المحبين للخير لنشر سبل الخير بين الناس ولكن ليس حب الخير وحده كافياً للصواب إذ لا بد من تقدير الأمور والعواقب عند كل عمل .
والحرص الذي ذكرته هو الذي دفع أقواماً لنشر وتصوير الورقة المنسوبة إلى أحمد خادم الحجرة والتي لقيت رفضاً من عدد من العلماء على تتابع أزمانهم ، ومع ذلك نجد بعض المساكين يعمد إلى نشرها بسبب ( أنشر تؤجر ) .
أما الآن ومع تطور وسائل الاتصال ظهر لنا أسلوب آخر يحمل عبارة ( أنشر تؤجر ) وهي رسائل الجوال التي لا خطام لها ولا زمام ، فبمجرد أن ينشئ أحدهم رسالة حتى يكتب في آخرها هذه العبارة فتسوقها رياح الحرص بين الأخيار ولكن الرياح خالية من التعقل والنظر الصحيح ، إذ وجدنا بين هذه الرسائل ما يشيب لها رأس الوليد ، وسأحكي لكم جزء من هذه المعاناة التي وقفت عليها بنفسي تحت اسم ( أنشر تؤجر ).
1- انتشر بين الناس وخصوصاً الحريصين على الخير والدعوة رسالة تقول ( اتصل بالرقم ... في كندا وصوت لصالح النبي ولا تبخل على نبيك بدقيقة من وقتك أنشر تؤجر ) .
هذه الرسالة سارت في الناس أشد من رسالة خادم الحجرة النبوية ، واتصل بي بعض كبار السن ممن لهم نصيب وافر في العمل والدعوة وقالوا إننا اتصلنا بأنفسنا على هذا الرقم واضغط واحد ثم أدخل مربع ثم ... وهكذا استنزفت هذه الرسالة أموال المسلمين دون أدنى فائدة ، والذي حصل هو أن إحدى الشركات اتفقت مع الاتصالات في كندا على تخصيص الرقم ونشره بين المسلمين من أجل كسب أموال طائلة قدرت بمبلغ أربعين مليون دولار في شهر واحد ، فأين نحن من هؤلاء ؟
ثم أين نتيجة التصويت المزعوم ؟ وهل الموضوع ينتظر التصويت أصلاً ؟ وإذا كانت نتائج التصويت ستؤثر على مسيرة هذه القضية فأين تصويتنا في قضايا أمتنا المنكوبة ؟
يا أهل رسالة ( أنشر تؤجر ) هلا تعقلتم قبل الإرسال
ومن الطريف هنا أن أحد الدعاة الكبار قال لي : لقد اتصلت بسبب الحماس فقط من شدة الرسالة ثم أيقنت أن الموضوع لعبة. 2- انتشر كذلك رسالة حول موقع على شبكة الإنترنت ( إحذف الجزء الأول ثم قم بالتصويت لا تبخل على نبيك بحركة زر ) ؟! وإني أسال ماذا حصل من نتائج لهذا الموقع الذي حقق أكثر من ثمانين مليون زيارة في أقل من أربعة أشهر و نحن السبب ؟
إنها دعوة للإخوة الكرام أن يكونوا أكثر اتزاناً في الإرسال ..
3- جاءت رسالة من أحد أساتذة الجامعة ( تبرع لإخوانك في النيجر وإليك حساب الدكتور السميط لا تبخل على المسلمين ولو بريال ) فاتصلت بهذا الدكتور وكنت أعرف فيه التعجل وقلة التثبت فضلاً عن الحرص غير المتزن في حياته فسألته : هل ذهبت للبنك وتأكدت من رقم الحساب ؟ فقال لي : هذه رسالة في دعم الخير إن لم نقف معهم فمن يقف معهم ؟ عندها أخبرته أنه لا يوجد حساب باسم الدكتور السميط في هذا البنك بهذا الرقم فكيف تنشر ون هذه الرسائل دون تثبت ؟ يا دكتور أنت مكان قدوة ، فإذا أرسلت أنت وأمثالك فكيف نعيب على غيركم ؟
4- نماذج كثيرة من الرسائل التي اتهمت الناس وتكلمت في الأعراض وقذفت بعض المظلومين انتشرت بسبب أولئك المتعجلين الذين لم يلتزموا المنهج الشرعي في التثبت فبمجرد وصول الرسالة إليهم من أي شخص وفيها ( أنشر تؤجر ) يقومون بنشرها دون تثبت ولا تبين وهذا من أعظم الخلل الذي نحن بحاجة إلى منعه فوراً بالتصدي له والوقوف بتعقل ضده .
5- أسلوب كتابة هذه الرسائل هو أسلوب الوصاية والاستعلاء كأن الناس قد أجروا عقولهم لهذا الكاتب فهو يأمر بشكل مقزز ( أنشر ، بادر فوراً بالاتصال ، هيا لا تتقاعس )
ألفاظ استعلائية فيها جانب الوصاية ظاهر جداً ، وهي جزء من الثقافة المستقاة من بعض الخطابات الدينية الموجهة في بعض المجتمعات والتي كان من ثمارها هذا النوع من الوصاية .
ومما يحزن أن بعضهم نشر رسالة مضحكة جداً تقول :{ السبت قبل الأحد ثم يجي الاثنين بعدها .. ( أنشر تؤجر ) المرسل : .......} . أعتذر لأني لن أكتب ما صفة هذا المرسل ، لكن السبب في انتشارها هم ، أعني أولئك الذين لم يتثبتوا في النشر .
إخواني : كلي رجاء أن نعيد النظر في هذه الجزئية من تعاملنا مع ثقافة نشر الخير لأنها تعود علينا بالضرر لا الخير والأخطاء لا الإصلاح عفا الله عنا وعنكم ودلنا جميعاً إلى سلوك الخير والله المستعان